كيف تتغلب على الشك



كيف تتغلب على الشك!؟

حينما قرأت كلمة الشك ربما تخيلت المريض النفسي الذى يشك بكل شيء، فهناك من يشك بعائلته فيعتقد أنهم وضعوا له السم بالطعام، وهناك من يشك بزوجته أنها تخونه أو تريد قتله أو سرقة أمواله، وبالتالى يبدأ بمراقبتها والتجسس على مكالماتها ويفتش حقيبتها وخزانتها، ويفسر كل تصرفاتها على أنها مريبة ، فمثلاً إذا خرجت من المنزل لأي سبب فإن أول ما يتبادر إلى ذهنه أنها خرجت لتخونه، أو لتتآمر عليه، ولا يقتصر الأمر على الشك بالزوجة، بل يتعداه للشك بكل من هم حوله..
وبالتأكيد يصيب هذا المرض الإناث أيضا فتشك في زوجها وكل من حولها، وقد تستيقظ في الليل لتراقب زوجها إن كان سيخرج وهي نائمة ليقابل أخرى، وتفتش ملابسه وخزانته، وتراقب مكالماته وقد تلحق به عندما يخرج من المنزل، لتراقب أين سيذهب، وقد تأتيه لمكان عمله دون اتصال مسبق وهي تظن أنها ستمسك به متلبسا في جريمة خيانة ... وغير ذلك من الامثلة وقصص الشك


لذا فى البداية لابد من التوضيح أن الشكّ فى الاساس أسلوب تفكير طبيعي وفطري عند الإنسان؛ لأنّ ليس كل ما يقال حقيقة، لذلك يحتاج البشر إلى جزء بسيط من الشكّ، لحماية أنفسهم من الوقوع بالخطأ ..

ومن هنا نؤكد أن المقصود فى الاساس من الفقرات التالية هى الحالات السلبية من الشك، فنحن نعيش في هذه الحياة ضمن مجتمعات إنسانية يتفاعل الفرد فيها مع الآخرين بطبعه وغريزته الانسانية، والإنسان أثناء تفاعله مع المحيط الإنساني والاجتماعي من حوله لابُدَّ وأن تظهر طبائعه، فإمّا أن يكون إنسانا فعّالاً وإيجابي مع الآخرين، أو أن يكون سلبياً غير محبوب من أحد وذلك بسبب تصرّفاته وأفعاله التي تصدر منه

ومن السلوكيات الإنسانية التي تصنّف على أنّها حالة سلبيّة هي الشكّ، فالشكّ الزائد عن المعدل الطبيعى إذا كان لدى الإنسان واستمرّ على حالته دون تغيير أو علاج فقد يخسر علاقاته مع الآخرين، وربّما يفقد زملائه وأصحابه، وربما يصل للمرحلة التى يكرهه حتى أقرب الناس إليه..

ما هو الشكّ ؟

بشكل عام يُعرّف الشكّ بأنّه التردّد الذي يُدخل الحيرة على النفس، فتصبح متأرجحة بين التصديق والتكذيب، وقد ينتهي الأمر بالإصابة بأحد الأمراض النفسية والخيالات غير الواقعية، والشك له حدود فالطبيعي منه هو ما يمتلكه الإنسان في لحظة ما أو لأمر معين ويُعد مهمّاً لعدم الوقوع بالمخاطر، أمّا الشك غير الطبيعي والمرضي هو عدم تصديق أي شيء حول المريض وعدم تقبل الأمور كما هي فهو يكره ويحقد، ويعدّ نفسه إنساناً مضطهداً إلى غير ذلك من الامور الغير سويه

لذا فى الحالات المرضيه، فإن الشك يصنف ضمن الأمراض النفسية وهي جزء من الوسواس القهري الذي يسيطر على الانسان بشكل خطير، وتصبح حياته كئيبة ومزعجة، قد يجعله هذا المرض مصدر إزعاج لغيره، ويفقده علاقاته بعائلته وأقربائه، وكل من حوله

فمثلاً الشك الزائد وغير المنطقي بين الأزواج قد يؤدي إلى الطلاق، وكذلك الشك بالآخرين قد يؤدي إلى الفشل بالعمل، أو حتى الوصول إلى القتل والأذى الجسدي

(( إذا كنت من غير المتخصصين بالمجال النفسى فربما استوقفك مصطلح ”الوسواس القهري“ وهذا يعني وجود فكرة في رأس الانسان تُلح عليه كثيرا بدون توقف)) 
مثلا: كأن يعتقد الانسان أنه لم يغلق باب المنزل بعد خروجه وتبدأ الفكرة تُلح عليه لتجعله يظن أن هناك من سيأتي لسرقة المنزل أو قتل من فيه ولذا عليه العودة لإغلاق الباب وتبدأ الفكرة تُلح عليه بشدة فيضطر للعودة لإغلاق الباب، حتى إن كان سيعود من مكان بعيد، وقد يعود عدة مرات للتأكد أنه أغلقه جيدا!! 
وقد تلح مثلا فكرة القتل على الانسان بشكل قهري، وبالطبع إن لم يتعالج قد يقتل ويرتكب جريمة بالفعل، وقد سُجلت الكثير من الجرائم التي جعلت أم أو أب يقتلون أبنائهم بعد أن كانت تُلح عليهم أفكارهم

ومن هنا يندرج الشك تحت بند الوساوس القهرية حيث تُلح فكرة الشك على الانسان فتجعله يحاول إكتشاف الخديعة التي تدار حوله وتريد الايقاع به

أنواع الشك 

نستنتج مما سبق أن الشك ينقسم إلى نوعين أساسيين في الحياة : 

النوع الأول هو الشك العادي 

الذي يصيب جميع الأشخاص بشكل طبيعي تجاه آي من المخاوف التي يشعر بها آي شخص 

النوع الثاني هو الشك المرضي 

الذي يشعر به الأشخاص الذين يعانون من عُقدة ما تجاه شيء معين مثلاً: الخيانة الزوجية ، حيث يعاني بعض الأشخاص من مشكلة الشك القاتل في الزوج أو الزوجة ، وهذا بالطبع يأتي نتيجة قصّة خيانة قد حدثت في الماضي، فيبدأ الشخص بالشك بشريك حياته، ويبدأ فى التصرف بطريقة لا تُحتمل، حتى يصل الامر للطلاق كما يحدث فى حالات كثيرة ناتجة فقط عن الشك المفرط أو تصل لمرحلة الاذى الجسدى والقتل..


وبشكل أكثر تفصيلاً يمكن تقسيم الشك وفقاً لثلاثة أنواع كالآتي: 

1- الشك العادي المقبول: 

فكما ذكرنا فى المقدمة أن جميع البشر لديهم درجات بسيطة من الشك لتجنب الوقوع في الأخطاء، والناتجة عن الخبرات السابقة للأمور، أو التقديرات التي تم اكتسابها من خبرات الآخرين، حتى يكون أصحابها على يقين تامّ قبل الاقدام على خطوة أو مرحلة معينه ، والتأكد من النتائج على قدر الامكان

2- الشك الملازم للإنسان: 

هذا النوع يواجه صعوبة كبيرة في الاتصال مع الآخرين حتى أقرب الناس إليه، والتي يمكن أن تظهر في عدة جوانب، منها: 
  • شكوك مترددة للأزواج دون وجود دليل واضح 
  • عداوة دائمة ومستمرة تجاه الآخرين 
  • تفسير سلبي وسئ للكثير من الأمور الحياتية المختلفة 
  • الشك في الآخرين وشعور الشخص بإستغلالهم له أو أنهم يقصدون له الأذى 
  • فقد الثقة بالأصدقاء والأقارب والزملاء 
  • تفسير تصرفات الآخرين الطبيعيه على أنها تعدٍّ على حقوقه أو إساءة له


3- الشك المرضي: 


يعاني الإنسان من تخيلات وأوهام لا أساس لها من الصحة، وكأن جميع من حوله يخططون لإيذائه ويدبرون المؤامرات ضده، فتتطور هذه الأمور مع مرور الوقت لتصبح شغله الشاغل دون دليل واضح، وعلى الرغم من عدم توفر دليل موثوق وواضح إلا أنّ صاحبها لا يقتنع بأنها مجرد فكرة وهميّة، ويتعامل مع الأمور وفقاً لما يعتقده من أوهام كاذبة، 
على سبيل المثال إذا سيطر هذا النوع من الشك على العلاقة الزوجية أو الشك في الخيانة، فيستمر الزوج فى مراقبة زوجته والتجسس عليها أو العكس، ويتمثل هذا فى مراقبة خط الهاتف، والعودة إلى المنزل في غير الوقت المعتاد؛ لاكتشاف دليل واضح لاعتقاده بوجود خيانه ...الخ


كما يمكن عرض أنواع الشكّ الغير السوية أو المرضية بشكل متدرج فى النقاط التاليه : 


الشكّ في الله: 

يتشكّل هذا النوع من الشكوك بسبب سيطرة الشيطان على تفكير الإنسان فتُصبح هذه الفكرة دخيلة على حياته، وتُبعده عن الطريق الصحيح

الشكّ في العقيدة الدينية: 

يأتي هذا النوع من الشكوك عن طريق التاَثر بالجماعات الدينية المختلفة، وأكثر فئة تتأثّر بهؤلاء الجماعات أولئك الذين ليس لهم أساس ثابت من العقيدة

الشكّ في الأحباء والأصدقاء: 

يحدث هذا الشكّ بسبب عدم توفّر الثقة بين الأصدقاء، الأمر الذي يؤدّي إلى إنعدام المحبة بينهم 


الشكّ في الأفراد: 

يتكون هذا الشكّ عندما يفقد الشخص ثقته بأحد الأفراد، فيظن أن جميع الناس مثله فيبدأ بالشكّ بهم ويبتعد عنهم 


الشكّ في القيم والمبادئ والفضائل: 

يتمحورهذا النوع من الشكوك حول عدم الاقتناع بأهمية الأمور الطبيعية أو المنطقية المفروضة على الفرد

شكّ الفرد في نفسه: 

يحدث هذا النوع من الشكوك عندما يبدأ الشخص الشكّ في أمور حياته المختلفة



أسباب وجود الشكّ 

هناك عدة أسباب تساعد على زيادة معدل الشك الغير سوى وبعده عن المعدل الطبيعي، أهمها 


طبيعة الإنسان: 

الإنسان الذي يمتلك شخصية ضعيفة يكون تأثير الشكّ عليه أكبر، وهذا ما سيضيق عليه خيارات حياته 


بساطة الشخص: 

الإنسان البسيط يقع في العديد من الشكوك لكونه يصدق كل ما يقال له، فيقوم الناس بخداعه واستغلاله وهذا بالتاكيد يؤثر عليه بالسلب

وجود الخوف: 

يعتبر الشكّ والخوف وجهان لعملة واحدة، فعند وجود أحداهما فإنّه سيقود إلى وجود الآخر 


البيئة المحيطة: 

الإنسان الذي يعيش في بيئة مليئة بالأشخاص الشكّاكين سيتأثر بهم مع مرور الوقت، وسيصبح مثلهم


أما الشكّ بين الزوجين أو بين أفراد الأسرة الواحدة فهو يزداد نتيجة وجود انقطاع في التواصل العائلي فلو كان للحوار مكاناً بينهم فلن تَصِل الأمور إلى هذا المستوى المتدنّي من الشكّ والريبة


وسائل علاجيه للتخلص من الشك غير السوي


إذا تحدثنا على العلاج فهناك وسيلة مثالية لعلاج الشك، نوضحها كما يلي:

العلاج الشرعي: 

تتلخص في اتّباع المنهج الديني والتقيّد بأحكامه حتى يلهمه الله الطريق الصحيح، فمن التزم به أبعد الله عنه الشك، وأبعد عنه الوسواس الملازم للإنسان، مما يساعده فى قطع الشك الذي لا أساس له من الوجود، وكذلك البعد عن الشيطان وقطع سبيله الذي دخل منه ، ويعتبر هذا العلاج مناسباً لشك الرجل بزوجته على وجه الخصوص أو العكس



العلاج الحسيّ السلوكيّ: 


يلتزم فيه الفرد بضرورة الاستشارة الطبيّة أو مراجعة الدكتور النفسيّ؛ لتفادي حالات الشك بين الأزواج أو الأقارب أو الأصدقاء..الخ والذي يقوم بتحديد الأسباب والعلاج اللازم للتخلص من الشك، ويحسن من قدرة الشخص على التفكير الجيد وتجنب الاضطرابات، مع العلم أن بعض الحالات تكون مستعصية وتتطلب التعامل بالعقاقير الطبية المناسبة للحالة، للتخفيف من حدة هذه الأعراض أو المضاعفات بالغة الخطورة

آى أن مرض الشك كمرض نفسي يعالج إما بالجلسات النفسية أو بالعقاقير والأدوية الطبية أو بالاثنيين معا مع العلم أن علاج الشكّ غير السوي صعباً؛ وذلك لأنّ المريض به لا يكون مدركاً لحالته، ولا يحبّ أن يتدخّل الآخرين بعلاجه؛ لأنّه يعتبره أمر خاص، ولذلك ينصح باستشارة اختصاصي نفسي حتّى يقترح الأسلوب الأمثل لتعامل مع هذا النوع من الأشخاص.



نصائح للتغلب على الشك


يوجد عدّة طرق يستطيع الفرد إستخدامها للتغلب على الشكّ ، ولكن إستخدام هذه الطرق يختلف من شخص لآخر ومنها:


معرفة السبب الأساسي لوجود الشكّ: 

- اعرف السبب وراء شكوكك، وحاول البحث عن السبب الحقيقي ، دون اللجوء إلى تخيلات غير منطقية وغير مناسبة

- قم بتسجيل قائمة بالعبارات التي تقولها لنفسك، والتي تُثير شكوكه حتّى يتمكن من تجنبها واستبدال العبارات التي تُثير الشكوك بعبارات إيجابية 

-
طلب الدعم، والمساعدة من الآخرين من أجل التخلّص من الشكّ حيث يمكن سؤال الآخرين عن مدى صحة شكوكك، ولا بأس أن تسأل الشخص الذي تشك به عن بعض الأمور التي تجول بخاطرك وتستمع جيداً لما يقوله 

-
ثق بنفسك أولاً حتى تستطيع الوثوق بالآخرين، ولا تهتم بما يقوله الآخرون عنك من خلال حبّك لنفسك وإصلاحها من أجلك أنت، وتذكر دائماً أن الشك والثقة بالنفس يسيران معاً بخطين متوازيين لكنها متعاكسان من جهة ازديادهما في الطول، فإذا كان خط الشك ينمو من جهة اليسار فإن خط الثقة بالنفس ينمو من جهة اليمين والعكس صحيح، وهذا يعني أنها متناسبان عكسياً، أي أنه إذا كانت ثقة الإنسان بنفسه عالية فإنه الشك عنده سيكون قليلاً، أما إذا كانت ثقة الإنسان بنفسه منخفضة فإن شكه سيكون عالياً. 

- ممارسة التمارين الرياضية، وخاصّة تمارين التنفس العميق والتمارين التي تساعدك على الاسترخاء؛ لأنّ هذه التمارين تمنح النفس الإرادة والقدرة على مواجهة الشكوك، ولا تستسلم للعصبية والقلق 

- ابتعد عن إصدار الأحكام على الناس قبل التأكد، وإن لم يكن هناك مجال للتأكد فيجب عليك أن تبتعد عن التفكير بالأمر

- التطوّع من أجل مساعدة الآخرين، وذلك بهدف الشعور بأن النفس مليئة بالخير، وبعيدة عن شكوك الآخرين

- إشغل نفسك بأمور أخرى كعمل جديد أو ممارسة هوايتك المفضّلة ، فمن خلال القيام بأشياء جديدة كل يوم يستطيع الفرد التغلب على شكوكه خطوة تلو الأخرى وذلك حتّى يضمن شفائه نهائياً

- قراءة بعض الكتب التي تتحدث عن الشكّ، وذلك بهدف إطلاع الفرد على وضعه، وسرعة تعامله مع شكوكه

- من الضرورى الابتعاد عن الناس السلبيين والنمامين

- التعوّذ بالله من الشيطان الرجيم والاقتراب من الله تعالى وقراءة القرآن حتى يشفي روحك



إذا شعرت بوجود أسباب جذرية في شخصيتك تجعلك تشكّ بمن حولك، توجّه إلى الدكتور النفسي وتحدّث معه عن كافّة شكوكك ومشاكلك النفسية



وأخيراً من الواجب على الإنسان أن يحسن الظن بالآخرين، فسوء الظن هو مصدر من مصادر الشك، فلا يجب أن يفسر كل شيء يجري من حوله على أنه مؤامرة، بل يتوجب عليه أن ينظر إلى أخطائه ويحاول من إصلاح نفسه، عندها ستتغير النتائج حتماً، كما يجب على الإنسان ان يعتقد بأن الخير هو الطبيعة المسيطرة على هذه الحياة وأن الشر نسبته قليلة، لكن ظهوره أكبر بين الناس

طرق للتعامل مع كثير الشك 

هناك بعض الأمور التي يمكن أن يتبعها الشخص الذي يتعامل مع الإنسان الشكّاك، والتي قد تساعده على التخلّص من شكوكه وخاصّةً بين الأزواج، وهي: 

  • الأهتمام به وعدم إهماله 
  • التعبير له عن مشاعرك اتجاهه ولا تكبتها بداخلك، فلا بدّ من أن تكون إنساناً صريحاً وواضحاً 
  • استمع له جيداً وبإهتمام شديد، وقدّم له النصائح والمساعدة 
  • احفظ أسراره ولا تبح بها لأحد مهما كان قريباً منك 
  • ابتعد عن الغموض والاختفاء أثناء تعاملك معه، وكن واضحاً بكافة حركاتك وتوجهاتك 
  • لا تجعله يقيد حريتك وابن الحدود واطلب منه الالتزام بها 
  • أقنعه بأن يتوجّه للدكتور النفسي في حال تفاقم حالته النفسية وعدم استقرارها


وأخيراً إذا وصل الإنسان إلى حالة الشك المرضية التى تم ذكرها سابقاً، فيتوجب عليه أن يبدأ بإعادة حساباته فوراً، ويعمل جاهداً على التقليل قدر الإمكان من هذه الحالة التي تسيطر عليه وتشل عقله وتقتل الإبداع بداخله وتمنعه من الارتقاء والتقدم كما يتوجب على الإنسان حتى يبعد الشك عن نفسه أن يعمل على أن يزيد من معرفته وفهمه للأمور، إذ أن الجهل هو البيئة الخصبة التي تنمو فيها كافة الأمور السيئة، حيث إن الجهل هو عدو الإنسان الأول بلا أي منازع


💫 ذات صلة